نعلم جميعًا أنَّ المسرح -منذُ القِدم- مختبرٌ فنيٌّ حيويٌّ يسعى إلى تجسيد القصص، وفي (مسرح كيف) تعتمد التجربة على اتِّباع منهجيَّة واضحة في صياغة وتأسيس العرض المسرحي؛ بهدف تحقيق الانسجام مع المجتمع (المتلقِّي)، ومحاولة للكشف عن مستوى العلاقة بينهما، ومدى تأثُّرهما ببعض.
إنَّ التجربة بحر عميق، وللغوص فيه نحتاج إلى دليل منير، ومرجعيَّة واضحة، وفي كل الأحوال يُعتبر البحث، والأخلاق، والمُثل هي الركيزة الأساسيَّة لأيِّ تجربة في (مسرح كيف).
وتتلخَّص النظريَّة التي يقوم عليها تأسيس (التجربة) أنَّ كلَّ سلوك في الحياة خاضعٌ -بشكل مقصود أو غير مقصود- للتجربة التي تبحث عن نتيجة (ردَّة الفعل) الناتجة عن هذا السلوك، سواء بالرفض أو القبول، وكل ردود الفعل عبارة عن سلوكيَّات تخضع أيضًا لفكرة التجربة كمادة لها -في المستقبل- وهكذا دواليك.
والعمل المسرحي واحد من ضروب الإنتاج الاجتماعي الذي يُعتبر -في نظري- إفرازًا للظروف والعادات والتقاليد، وتؤثِّر فيه الحالة الاجتماعيَّة لدى فريق العمل والمتلقِّي، ودراسة المسرح لا تكون كاملة إذا اقتصرت على النَّص فقط، أو العرض دون رصد لردَّة فعل المتلقِّي، وهو ركن من أركان العمليَّة المسرحيَّة.
وقد يرى البعض أنَّ التجربة المسرحيَّة فكرة معقَّدة؛ لأنَّها تحتاج إلى مباشرة الحدث وتسجيله وملاحظته بدقَّة، ومراقبة عناصره منذ أولى خطوات تجهيز العرض، وحتَّى تقديمه على خشبة المسرح. وهذا التعقيد هو سمة يفرضها علينا هذا الفن الآني الخالد، إذ لا يصح -من وجهة نظري- أن يُعرف المسرح بأنَّه فن اللحظة، ونقوم بدراسته بعد انتهائه؟! فمن لم يرصد أحداث صالة العرض، سيقدِّم انطباعًا لا يعدو كونه توقُّعات وتكهنات شخصيَّة مرهونة إلى ذهنيَّته وثقافته وميوله.
والتجربة في نظر ياسر مدخلي أساس الفن، والفن بالعموم يجب أن يقدَّم لخدمة مجتمع التلقِّي، والمسرح لا يكون فنًّا إلَّا بوجود تجربة قد نختلف في أسلوبها، لكنَّنا نتَّفق على المبدأ، وكي يحقق دوره كفنٍّ جادٍّ، له مبرراته الاجتماعيَّة والفكريَّة التي تدفع التجربة نحو إنتاجها كعرض يفرض نفسه على المتلقِّي، ليؤكِّد بذلك على مبدأ خدمة المجتمع.
إنَّ (مسرح كيف) يفترض وجود علاقة بين التجربة المسرحيَّة والذوق العام بشكل مطَّرد، خصوصًا وأنَّ (كيف؟) لا يهتم بالمتلقِّي فحسب، بل تتَّسع دائرة اهتمامه ليرصد أهميَّة (رد الفعل) كمفهوم يشير إلى ما يتلقَّاه الممثِّل من الجمهور أثناء العرض على خشبة المسرح، فالعرض المسرحي مجموعة من الاتِّصالات المنبثقة من بعضها ضمن لعبة التَّواصل بين منطقة العرض ومنطقة الجمهور. فمنطقة العرض هي الملعب الذي يؤدِّي فيه الممثِّلون عرضهم، ومنطقة الجمهور هي صالة وجود الجمهور، وتكون منطقة التجربة هي تلك المساحة الممتلئة بانفعالات التلقِّي المتبادل بين العرض والجمهور.
من كتاب ( مسرح كيف)
للباحث : ياسر مدخلي